قصص الأنبياء ((الجزء الأول))
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصص الأنبياء ((الجزء الأول))
آدم عليه السلام
(1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق الله الأرض والجبال والبحار والأنهار والحيوان والطير والشمس والقمر والسماء والنجوم.
وخلق الله الملائكة، وكان خلق الأرض قبل خلق الإنسان..
"هو
الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات
وهو بكل شئ عليم..وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني
أعلم ما لا تعلمون"
أراد
الله أن يخلق آدم ويجعله خليفة في الأرض ، ولما قال الأمر للملائكة قالوا
أتجعل فيها من يفسدها فقال لهم الله سبحانه وتعالى إني أعلم ما لا تعلمون.
وخلق
الله آدم من الطين وسواه وبعث فيه الحياة. وأراد الله لآدم أن يعرف ما لا
يعرفه الملائكة ..فأوجد الله أنواع من الحيوان والطير والزروع وعرّف آدم
على أسمائها وقال للملائكة أخبروني بأسماء هذه الأشياء فعجز الملائكة عن
الإجابة وقالوا نحن لا نعرف إلا ما علمتنا ..فقال الله :يا آدم أخبرهم
بأسماء هذه المخلوقات فأخبرهم آدم بما عجزوا هم عنه فتبين للملائكة فضل
آدم والحكمة الإلهية من خلقه وهي إعمار الأرض أما الملائكة فهم ليسوا في
حاجة إلى شئ مما في هذا الكون الأرضي فهم لا عمل لهم إلا عبادة الله فهم
لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون.
"وعلم
آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن
كنتم صادقين..قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم..قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم
إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما تكتمون"
(2)
أمر
الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ،فسجدوا سجود الطاعة والإحترام لأمر الله
ولكن إبليس وكان من الجن لم يطع الأمر ،فقد كان مغروراً وكان يعتقد أنه
أفضل مخلوقات الله.سأله الله تعالى :ما منعك أن تسجد لآدم قال إبليس :أنا
أفضل منه أنا مخلوق من النار أما هو فمخلوق من الطين ،غضب الله على إبليس
وطرده من الجنة وقال له :إن عليك اللعنة إلى يوم القيامة قال إبليس :يا رب
إمهلني حياً إلى هذا اليوم وسأعمل على إيذاء آدم وذريته وغوايتهم وأقودهم
إلى المعصية ومخالفة أوامرك وأبعدهم عن طاعتك.قال له الله سبحانه وتعالى
:لن يطيعك عبادي المؤمنين ولا تأثير لك عليهم ،أما من يطيعك فهؤلاء لا
إيمان في قلوبهم ومصيرهم في النار.
"قال
يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين..قال
أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين..قال فاخرج منها إنك رجيم..وإن
عليك لعنتي إلى يوم الدين..قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون..قال فإنك من
المنظرين..إلى يوم الوقت المعلوم..قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين..إلا عبادك
منهم المخلصين..قال فالحق والحق أقول ..لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم
أجمعين"
(3)
عاش
آدم وحيداً حتى تفضل الله عليه وخلق له زوجة من جنسه تؤانسه ويسكن إليها
وتسكن إليه..وأمر الله آدم أن يسكن في الجنة هو وزوجته حواء يأكلا من
ثمارها ويشربا من أنهارها بدون تعب ولا عمل ،ونهى الله آدم وحواء أن يقربا
شجرة عينها لهما ،ووجه الله نظر آدم إلى كيد إبليس وحذره من خيانته فهو قد
طرده من الجنة بسبب آدم لذا فإبليس يكره آدم وحواء ولا يحب لهما الخير.
عزم
إبليس أن ينتقم من آدم ويعمل على حرمانه من نعيم الجنة فذهب إلى آدم وقال
له :هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى وأشار إلى الشجرة التي نهاهما
الله عن الإقتراب منها ولكنهما تذكرا تحذير الله لهما فابتعدا عن إبليس
،ولكنه لم ييأس وظل يحاول غوايتهما وحلف لهما إنه ما يريد إلا الخير لهما
..ولأنهما فطرا على الخير وأن لا أحد يحلف كذباً فصدقاه وأكلا من الشجرة
المحرمة عليهما..وأحس آدم وحواء بفظاعة ما قاما به وندما على فعلتهما
وطلبا من الله أن يغفر لهما فغفر الله لهما وأخبرهما أن زمن بقاؤهما في
الجنة قد إنتهى ولابد من نزولهما إلى الأرض ليتسلما مهامهما الجديدة وهي
إعمار الأرض وأمر إبليس بالنزول معهما وحذرهما من عداوته لهما ولأولادهما.
خرج آدم وحواء من الجنة ونزلا إلى الأرض وبدآ القيام بالعمل للبحث عن الطعام والشراب والمأوى وهكذا تغير مجرى الحياة..
"وقلنا
يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين..فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه
وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين..فتلقى
آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم."
بدأ
نظام الحياة في الأرض وكان أول أولاد آدم وحواء قابيل وأخته ثم في العام
الذي يليه هابيل وأخته ثم بدأت حكاية الأخوان قابيل وهابيل...
نوح عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
عمرت الأرض بأبناء سيدنا آدم وكثر الناس وأصبحوا شعباً عظيماً يعبدون الله ولا يسجدون لسواه .
اشتهر
من بينهم خمسة رجال طيبون ،عُرفوا بالصلاح والتقوى وطهارة القلب وكانت
أسماؤهم :وَدّاً وسُوَعاً ويَغُوث ويَعُوق ونَسْراً ،أحب الناس هؤلاء
الرجال الخمسة وكانوا يستمعون إليهم وإلى نصائحهم ويقتدون بهم وبأخلاقهم.
ولما مات هؤلاء الرجال الخمسة حزن الناس عليهم حزناً شديداً وكانوا يتمنون
أن يخلدوا في هذه الحياة ، وسوس إبليس للناس أن يصنعوا تماثيل لهم توضع في
مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها وتسمى بأسمائهم ففعلوا.
وكان
الناس يذهبون إلى الأماكن التي نصبت فيها هذه التماثيل أما سكان الجهات
البعيدة فإنهم كانوا يتجهون إلى هذه الأماكن يقضون أياماً يتبركون بهذه
التماثيل ويسألون الله في هذه الأماكن المقدسة أن يغفر لهم ، فلما مات
هؤلاء الرُحّل وجاءت أجيال أخرى بالغوا في تعظيم هذه التماثيل واعتقدوا أن
آباءهم وأجدادهم كانوا يتوسطون بهذه التماثيل بينهم وبين الله .
ولما
شق على كبار السن السفر صنعوا تماثيل مثلها في بلادهم ، ثم نسي الناس أن
هذه التماثيل للرجال الخمسة الطيبين وظنوها أصنام ، ثم اعتقدوا أنها آلهة
ونسوا ربهم واتخذوا من دونه هذه التماثيل وعكفوا على عبادتها .
"قال
نوح ربِ إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا..ومكروا
مكراً كبارا..وقالوا لا تذرن وداً ولا سوعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا..وقد
أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالا"
هؤلاء
الناس أضلهم الشيطان وأغواهم ونسوا الله ولكن الله لاينسى عباده فاختار
سبحانه لهدايتهم رجلاً نشأ بينهم كان فقيراً ولكنه كان نقياً طاهراً حفظه
الله من شرور القوم وهو سيدنا نوح.
(2)
ذهب
نوح إلى الطيبين من قومه وهم الفقراء يدعوهم سراً إلى عبادة الله وحده
وترك الأصنام ،وأنذرهم أن من يعرض عن دعوته فإن الله سيعاقبه عقاباً
شديداً ،فآمن به القليل منهم.
ثم
ذهب نوح بعد ذلك إلى أشراف قومه وحاول دعوتهم إلى ترك عبادة الأصنام ولكن
لم يطعه أحد وقالوا له :ما نراك إلا بشراً مثلنا ،لن نؤمن بك ولن نتبعك
،لست بأغنانا ولست ملكاً ذا شأن أو عظيماً ذا مكانة إنما أنت فقير وما
تبعك إلا الذين هم أراذلنا ، فإن كنت ترجو من دعوتك هذه مالاً فخذ من
أموالنا وارجع إلى عبادة آلهتنا وآلهتك.قال لهم نوح :لاأسألكم عليه أجراً
إن أجري إلا على الله وما أريد لكم إلا الخير.. ولكنهم تركوه وذهبوا عنه.
"ولقد
أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين..أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف
عليكم عذاب يوم أليم..فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً
مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا
من فضل بل نظنكم كاذبين..قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي وءاتني
رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون..ويا قوم لا
أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم
ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون"
ولكن
سيدنا نوح لم يتطرق اليأس إلى قلبه ،بل عزم عزماً أكيداً أن يعود إلى
نصحهم وهدايتهم وحاول معهم مرات ومرات ولكنهم ازدادوا عناداً واستكباراً
،وأصروا على عبادة آلهتهم ثم غطوا وجوههم بملابسهم حتى لا يبصروه ووضعوا
أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوه.وقال أحدهم :يا نوح لقد جادلتنا فأكثرت
جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .قال نوح عليه السلام :إنما
يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين .ثم انصرف عنهم في حزن وألم.
"قال
ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً..فلم يزدهم دعائي إلا فرارا..وإني كلما
دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا
واستكبروا استكبارا..ثم إني دعوتهم جهارا..ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم
إسرارا..فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا"
(3)
وبينما هو في حزنه ويأسه إذ بالوحي ينزل عليه يطمئن نفسه ويستمع :لن يؤمن من قومك إلا من آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون.
فهدأ
نفساً واتجه إلى ربه يدعوه .غضب الله عليهم وأمسك عنهم المطر فأصاب الأرض
قحطاً وامتنع الزرع عن النمووضاقت بهم سبل العيش واتجهوا إلى آلهتهم
يدعونها فلا تستجيب ،فاتجهوا إلى نوح عليه السلام فقال لهم :استغفروا ربكم
إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأمول وبنين ويجعل لكم
جنات ويجعل لكم أنهاراً.ولكنهم عموا وصموا وتمادوا في ضلالهم.
يئس
نوح من قومه فدعا عليهم وقال :رب لا تذر على الأرض للكافرين ديارا إنك إن
تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا.فاستجاب الله دعاءه ..
"وأوحى
إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا
يفعلون..واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم
مغرقون..ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا
منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون..فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل
عليه عذاب مقيم"
(4)
أمر
الله نوحاً أن يصنع سفينة كبيرة فقام هو ومن آمن معه بصنع السفينة وكان
الكفار يمرون عليهم وهم يعملون في بناء السفينة فيستهزؤن بهم ولكن نوح
عليه السلام كان صابراً على سخريتهم واستهزائهم ،وكانوا يقولون له :وأين
الماء الذي تسير فيه سفينتك وكان يقول لهم سيكون ذلك قريباً.
أتم
نوح سفينته وجاء الموعد المحدود فأمره الله أن يحمل فيها أهله ، إلا زوجه
فقد كانت عاصية كافرة ،ويضع فيها من كل حيوان وطير وزواحف وحشرات وحبوب
مختلفة زوجين اثنين ذكراً وأنثى ،وأن يأخذ معه كل من آمن به لأن الله
سيغرق الأرض.
اطمأن
نوح وهدأ وما هي إلا فترة حتى أظلمت السماء وهبت الرياح ونزل مطر غزير
وتفجرت العيون من الأرض وعم الماء كل مكان فحمل السفينة ومن فيها وما فيها
.رأى الكفار ذلك فأصابهم ذعر شديد وحاولوا اللجؤ إلى الجبال لتحميهم من
الماء ولكن الماء أخذ يعلو ويعلو ويبتلع القوم الكافرين .
"حتى
إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من
سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ..وقال اركبوا فيها بسم
الله مجراها ومرساها أن ربي لغفور رحيم"
رأى
نوح عليه السلام ابنه كنعان يصعد الجبل فقال له :يا بني اركب معنا ولا تكن
مع الكافرين ،فقال كنعان :سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ،قال نوح :لا عاصم
اليوم من أمر الله إلا من رحم.وابتلع الماء ابن نوح فدعا نوح ربه :رب إن
ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين.فقال الله تعالى :يا نوح
إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن
تكون من الجاهلين.فاستغفر نوح ربه واعتذر عما بدا منه من إلحاحه على الله
أن ينجي ابنه .
سارت
السفينة بين الأمواج وغرق العصاةولم ينج إلا الذين آمنوا ،ثم أمر الله
السماء أن تكف عن المطر وأمر الأرض أن تبلع الماء فرست السفينة على جبل
الجودي.
وأخيراً خرج المؤمنون وعاشوا في تلك البقعة من الأرض فعمروها ودبت فيها الحياة بعد هذا الطوفان العظيم .
وهكذا انقضت حياة نوح عليه السلام بعد أن عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً في جهاد عنيف وصبر طويل.
هود عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
رست
سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي ،ولما جفت الأرض نزل المؤمنون منها
يسعون للرزق ،فعمروا الأرض وتزوجوا وكثر عددهم وتفرقوا جماعات جماعات ،وكل
جماعة اختارت لها مكاناً أقامت به وعاشت على خيراته.
كان
من هذه القبائل المهاجرة قبيلة يمتاز رجالها ونساؤها بضخامة الجسم وتسمى
قبيلة عاد وهوإسم زعيمهم وكان ضخم شديد القوة ظل يسير بقومه حتى انتهى بهم
إلى جبال الأحقاف ما بين اليمن وخليج عُمان حالياً.
أعد
قوم عاد لهم مكاناً للإقامة وزرعوا الأرض وكثرت الخيرات ،ومرت أعوام
وأعوام فمات عاد وبقى قومه وأولاده وعاشوا في نعمة عظيمة وكان الله تعالى
يرسل إليهم السحب بالأمطار فتروي الزرع والحيوان وتوافرت عندهم فواكه لم
يوجد مثلها في أي مكان ،فعاش القوم وزادتهم هذه النعمة طولً وضخامة فكانوا
ذوي بأس شديد ،وتركوا الأرض إلى الجبال فنحتوا لهم مساكن واسعة كبيرة
وأنشأوا مصانع لتسوية الأحجار وصنعوا منها أدوات الحرب والصيد وكل ما
يحتاجون إليه في أعمالهم ومعيشتهم.
"كذبت
عاد المرسلين..إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا
الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب
العالمين..أتبنون بكل ريع آية تعبثون..وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون..وإذا
بطشتم بطشتم جبارين..فاتقوا الله وأطيعون"
بمرور
الزمن نسى قوم عاد عبادة الله ، وعبدوا الأصنام فصنعوا من الحجارة تماثيل
كبيرة وكانوا يسجدون لها من دون الله ويقدمون لها القرابين كي ترضى عنهم
وتسقط عليهم الأمطار وتمنع عنهم السوء..ثم بنوا مدينة كبيرة عظيمة عند سفح
الجبل لم يخلق الله مثلها في البلاد ،وسموها إرم ذات العماد فكانت شوارعها
متسعة وقصورها شامخة مزينة بأعمدة ضخمة ونقوش جميلة.وعاشوا على خيرات
واديهم وكانوا يصيدون القوافل التي تمر بهم فيقتلون أصحابها وينهبون
تجارتها .
عاش
في هذه المدينة رجل من قوم عاد اسمه هود ،ولكنه لم يكن مثلهم ،فنشأ بينهم
نشأة الصالحين وكان محباً للخير والسلام وحاول نصحهم وسعى إلى إصلاحهم
ولكنهم كانوا يسخرون منه .
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد..إرم ذات العماد..التي لم يُخلق مثلها في البلاد"
(2)
غضب
الله على قوم عاد فمنع عنهم المطر عاماً كاملاً ،حتى جف الزرع ومات
الحيوان ،فأصابتهم المجاعة ولم يزدهم ذلك إلا فساداً في الأرض وتقرباً
للأصنام.
وكان هود عليه السلام يحقّر أصنامهم ويحاول هدايتهم فيتركونه غاضبين عليه ويلجأون للأصنام يستسقون.
اختار
الله تعالى هود عليه السلام نبياً وبعثه رسولاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة
الله وحده لا شريك له ،ذهب هود إلى قومه ووجه إليهم كلامه :يا قوم إني لكم
رسول أمين فاتقوا الله وأطيعوني ..يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره
،فهو الذي جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة وأمدكم بأنعم
وبنين وجنات وعيون..يا قوم كيف تعبدون هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر
والتي كان يعبد مثلها قوم نوح من قبلكم فسلط الله عليهم الطوفان وأغرقهم
جميعاً إلا من آمن به وعمل صالحاً.
ثار
قومه ووصفوه بالجنون وقالوا له :يا هود إنا لنراك في سفاهة ونظنك كاذباً
،فقال لهم هود عليه السلام :ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين
لأبلغكم الرسالة بأن تعبدوا الله حتى يرزقكم الرزق الحلال ،وإن لم تفعلوا
فسوف ينتقم الله منكم ،ولكن كان ردهم بسخرية :إن قوم عاد أشداء أقوياء لا
يخشون أحد فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
"وإلى
عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا
تتقون..قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لنظنك من
الكاذبين..قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين..أبلغكم
رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين..أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل
منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة
فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون..قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما
كان يعبد ءاباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"
(3)
ظل
هود يدعو قومه إلى عبادة الله ،ويخوفهم غضبه وبطشه ،فصدقه قوم وآمنوا به
،وكذب به آخرون وسخروا منه ،فدعا هود عليهم .استجاب الله دعاء هود فحبس
المطر ،واشتد الحر ،فذهبوا إلى آلهتهم يستسقون ويقدمون القرابين إليها ثم
يعودون في حزن ،ويمرون على هود ومن آمن معه فيجدونهم في أمن وهدوء .
أقبل
القوم على هود يسألونه عما أصابهم ،قال لهم :لقد وقع عليكم من ربكم رجس
وغضب ..اتقوا الله يرسل السماء عليكم مدراراً ،ويزيدكم قوة إلى قوتكم ،
فإن لم تؤمنوا به فسوف يعجل بنهايتكم .ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ
بناصيتها ،ثم يصب عليكم عذابه فيهلككم أجمعين.
رأى
الكافرون سحابة سوداء في نهاية الأفق ففرحوا وظنوا أن آلهتهم استجابت لهم
.أما هود عليه السلام فأمره الله بأن يجمع المؤمنين من قومه ويذهب بهم إلى
الجهة الأخرى من الجبل وامتثل هود للأمر وخرج من المدينة بقومه.
(4)
"وأما
عاد فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية..سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ
حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية..فهل ترى لهم من باقية"
كانت
السحابة التي رأها قوم عاد ريحاً مدمرا،هبت عليهم فاقتلعت الأشجار وهدمت
القصور وحملت العمالقة الكافرين وغرستهم في الأرض كأنهم أعجاز النخل .أما
هود والذين آمنوا معه فقد لجأوا إلى كهف حماهم من هذه الرياح التي سخرها
الله على الكافرين سبع ليالي وثمانية أيام متتابعة ..فإذا إرم ذات العماد
أطلال خراب ولم يبق من آثار قوم عاد إلا تلك البيوت التي نحتوها في الجبال
تشهد بظلمهم وسوء عاقبتهم.
اتجه هود عليه السلام بمن آمن معه إلى حضرموت فعاشوا فيها يعبدون ربهم ما بقي من حياتهم .
"وتلك
عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد..واُتبعوا في
هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بُعداً لعاد
قوم هود"
صالح عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
ثمود
قبيلة كانت تسكن بالحجر وتقع بين الحجاز والشام وهي من القبائل التي
تناسلت من ذرية قوم نوح عليه السلام وهم المؤمنين الذين أنجاهم الله من
الطوفان..سكنت ثمود بوادٍ أرضه خصبة ،تنبع فيها عيون ويأتي نباتها بمحصول
وافر عميم الخير ، وبنوا فيها بيوتاً وقصوراً وفي فجواتها وكهوفها نقروا
مساكن رحبة فسيحة.
عاشت
ثمود في جنتهم هذه هانئين مترفين ،مضى عليهم الزمان وتتابعت الأجيال
فأبطرتهم النعمة وأضلتهم عن سواء السبيل ،فأشركوا بالله واتخذوا لهم
أصناماً يشركونها معه في عبادته ،حتى بعث الله لهم من بينهم نبيهم صالح
عليه السلام.
أمر
الله سيدنا صالح بالخروج إلى قومه ودعوتهم إلى الإيمان وهدايتهم إلى طريق
الحق ،ولكن سخر منه قومه وانصرفوا إلى لهوهم غير مبالين به.
لم
ييأس صالح عليه السلام فدأب على ملاحقة قومه بدعوته وثابر على نهيهم عن
الإشراك بالله وحذّرهم عاقبة أمرهم ووجه نظرهم إلى أن الله هو الذي أنشأهم
من الأرض واستعمرهم فيها ، فأنصت له نفر منهم واستجابوا له وآمنوا برسالته
وكان أكثرهم من فقراء القوم ومستضعفيهم ،أما أشرافهم وكبراؤهم فقد طغوا
وبغوا وأشاحوا بوجههم عنه..
"وإلى
ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم
من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب..قالوا
يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا
وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب"
وقال
كبير منهم :أؤلقي الذكر عليه من بيننا ..إنه كاذب ،وبدأ هؤلاء المعارضون
بالتأثير على الضعفاء الفقراء الذين تأثروا بدعوة صالح واتبعوه فقالوا لهم
:لم اتبعتم صالحاً ؟ أجابوا :لأن صالحاً دعانا لما رأينا أنه الحق ،ونهانا
عما تأكدنا أنه الباطل. قال القوم ساخرين :أعلمتم أن صالحاً مرسل من ربه ؟
أجاب المؤمنون :إنا بما أرسل به مؤمنون. قالوا وقد أحنقهم القول :إنا
بالذي آمنتم به كافرون. ثم دعوا صالحاً وقالوا له :يا صالح لقد كنت فينا
مرجواً قبل هذا ،أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟قال سيدنا صالح :إنما
بعثني الله إليكم لأخرجكم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الهداية
والإيمان ولأجنبكم عذاب النار...هذه نعم كثيرة أنعم الله بها عليكم
فاذكروها واعترفوا بفضله ولا تفسدوا في أرضه..قالوا له :أتطمع في مال أم
في مركز بيننا ؟ قال :أني أدعوكم لوجه الله خالصاً لا أسألكم أجراً إنما
أجري على الله الذي خلقني وخلقكم .قالوا : يا صالح إنك ساحر ما أنت ببشر
مثلنا فقل لنا ما الذي يدلنا على أنك مرسل من ربك ؟ قال سيدنا صالح :ما هي
البيّنة التي تريدون أن آتي بها لكم لتصدقوني ؟قالوا :ائتنا بناقة عشراء
حمراء كحلاء كبيرة الحجم يشرب من لبنها كل أهل المدينة .قال صالح :سأسأل
ربي وأدعوه أن يأتيني بهذه الناقة .
(2)
دعا
صالح ربه فاستجاب له وخرج القوم ينظرون إلى آية الله وناقته ..فصدقه وآمن
معه القليل وبغى بعضهم ووصفوه بالساحر قال لهم صالح :هذه ناقة الله لكم
آية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء وإلا أصابكم عذاب
أليم..والماء قسمة بينكم وبينها :لكم شرب يومٍ ولها شرب يوم.
"كذبت
ثمود المرسلين..إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون..إني لكم رسول
أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب
العالمين..أتتركون فيما هاهنا آمنين..في جنات وعيون..وزروعٍ ونخلٍ طلعها
هضيم..وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين..فاتقوا الله وأطيعون..ولا تطيعوا
أمر المسرفين..الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا إنما أنت من
المسحرين..ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين..قال هذه
ناقة لها شربٌ ولكم شرب يومِ معلوم..ولا تمسوها بسوءِ فيأخذكم عذاب يومِ
عظيم"
عاشت
الناقة بين ربوعهم ،فكانت ترعى من كلأ الأرض وترد الماء في يومها المعلوم
حتى إذا جاء اليوم الثاني اعتزلت الماء فيقبل الناس على الماء يأخذون منه
حاجتهم لليوم واليوم الذي يليه ،ثم يقبلون على الناقة وقد أتت بفصيلها
فيحلبونها ويشربون منه جميعاً..فرح الفقراء بالناقة وسخط عليها أغنياء
القوم وشق عليهم أن يكون صالح هو هاديهم ،واتفقوا على قتل الناقة. أوحى
الله إلى صالح ما أضمره القوم فجاءهم وقال لهم :لم تستعجلون بالسيئة قبل
الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم تُرحمون .فأشاح الذين كفروا عنه وقالوا
له لقد تشاءمنا بك وبمن معك ،فقال لهم :تشاؤمكم على أنفسكم لو كنتم تعلمون.
"قال
يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم
ترحمون..قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم
تفتنون..وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا
تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا
لصادقون..ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون"
(3)
اجتمع
تسعة من سفهاء ووقحاء المدينة ،عتاة قساة غلاظ القلوب وتشاوروا فيما بينهم
كيف يختارون الشخص الذي يقتل الناقة. وجاء اليوم الذي حددوه لعقر الناقة
وأتوها وهي على مورد مائها تشرب فأهوى أحدهم على ساقها بسيفه فخرت ساقطة
على الأرض فطعنها في رقبتها فقتلها ، هلل الناس وقالوا :ليأتنا صالح بما
وعدنا إن كان من المرسلين..
علم سيدنا صالح بما حدث فحزن حزناً شديداً وطلب من المؤمنين أن يدركوا إبن الناقة ولكن الأشقياء كانوا قد جروا وراءه وأدركوه وقتلوه.
لما سمع صالح بعقر ابن الناقة قال :تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وانصرف عنهم.
"فعقروها
فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب..فلما جاء أمرنا نجينا
صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذٍ إن ربك هو القوي
العزيز..وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين..كأن لم يغنوا
فيها ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود"
(4)
ذعر
القوم لما علموا أن أمامهم ثلاثة أيام فقط ،وجلسوا ينتظرون ما سيحل
بهم..وجاء ما كانوا ينتظرون فما كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم من هول دويها
جاثمون ،وقد زلزلت الأرض من تحتهم فصرعتهم الرجفة وهم ينظرون..وغادر صالح
والذين آمنوا معه المدينة ونظر سيدنا صالح آسفاً وقال لقد حذرتكم وأنذرتكم
..لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين.
تابع
(1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق الله الأرض والجبال والبحار والأنهار والحيوان والطير والشمس والقمر والسماء والنجوم.
وخلق الله الملائكة، وكان خلق الأرض قبل خلق الإنسان..
"هو
الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات
وهو بكل شئ عليم..وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني
أعلم ما لا تعلمون"
أراد
الله أن يخلق آدم ويجعله خليفة في الأرض ، ولما قال الأمر للملائكة قالوا
أتجعل فيها من يفسدها فقال لهم الله سبحانه وتعالى إني أعلم ما لا تعلمون.
وخلق
الله آدم من الطين وسواه وبعث فيه الحياة. وأراد الله لآدم أن يعرف ما لا
يعرفه الملائكة ..فأوجد الله أنواع من الحيوان والطير والزروع وعرّف آدم
على أسمائها وقال للملائكة أخبروني بأسماء هذه الأشياء فعجز الملائكة عن
الإجابة وقالوا نحن لا نعرف إلا ما علمتنا ..فقال الله :يا آدم أخبرهم
بأسماء هذه المخلوقات فأخبرهم آدم بما عجزوا هم عنه فتبين للملائكة فضل
آدم والحكمة الإلهية من خلقه وهي إعمار الأرض أما الملائكة فهم ليسوا في
حاجة إلى شئ مما في هذا الكون الأرضي فهم لا عمل لهم إلا عبادة الله فهم
لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون.
"وعلم
آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن
كنتم صادقين..قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم..قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم
إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما تكتمون"
(2)
أمر
الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ،فسجدوا سجود الطاعة والإحترام لأمر الله
ولكن إبليس وكان من الجن لم يطع الأمر ،فقد كان مغروراً وكان يعتقد أنه
أفضل مخلوقات الله.سأله الله تعالى :ما منعك أن تسجد لآدم قال إبليس :أنا
أفضل منه أنا مخلوق من النار أما هو فمخلوق من الطين ،غضب الله على إبليس
وطرده من الجنة وقال له :إن عليك اللعنة إلى يوم القيامة قال إبليس :يا رب
إمهلني حياً إلى هذا اليوم وسأعمل على إيذاء آدم وذريته وغوايتهم وأقودهم
إلى المعصية ومخالفة أوامرك وأبعدهم عن طاعتك.قال له الله سبحانه وتعالى
:لن يطيعك عبادي المؤمنين ولا تأثير لك عليهم ،أما من يطيعك فهؤلاء لا
إيمان في قلوبهم ومصيرهم في النار.
"قال
يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين..قال
أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين..قال فاخرج منها إنك رجيم..وإن
عليك لعنتي إلى يوم الدين..قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون..قال فإنك من
المنظرين..إلى يوم الوقت المعلوم..قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين..إلا عبادك
منهم المخلصين..قال فالحق والحق أقول ..لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم
أجمعين"
(3)
عاش
آدم وحيداً حتى تفضل الله عليه وخلق له زوجة من جنسه تؤانسه ويسكن إليها
وتسكن إليه..وأمر الله آدم أن يسكن في الجنة هو وزوجته حواء يأكلا من
ثمارها ويشربا من أنهارها بدون تعب ولا عمل ،ونهى الله آدم وحواء أن يقربا
شجرة عينها لهما ،ووجه الله نظر آدم إلى كيد إبليس وحذره من خيانته فهو قد
طرده من الجنة بسبب آدم لذا فإبليس يكره آدم وحواء ولا يحب لهما الخير.
عزم
إبليس أن ينتقم من آدم ويعمل على حرمانه من نعيم الجنة فذهب إلى آدم وقال
له :هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى وأشار إلى الشجرة التي نهاهما
الله عن الإقتراب منها ولكنهما تذكرا تحذير الله لهما فابتعدا عن إبليس
،ولكنه لم ييأس وظل يحاول غوايتهما وحلف لهما إنه ما يريد إلا الخير لهما
..ولأنهما فطرا على الخير وأن لا أحد يحلف كذباً فصدقاه وأكلا من الشجرة
المحرمة عليهما..وأحس آدم وحواء بفظاعة ما قاما به وندما على فعلتهما
وطلبا من الله أن يغفر لهما فغفر الله لهما وأخبرهما أن زمن بقاؤهما في
الجنة قد إنتهى ولابد من نزولهما إلى الأرض ليتسلما مهامهما الجديدة وهي
إعمار الأرض وأمر إبليس بالنزول معهما وحذرهما من عداوته لهما ولأولادهما.
خرج آدم وحواء من الجنة ونزلا إلى الأرض وبدآ القيام بالعمل للبحث عن الطعام والشراب والمأوى وهكذا تغير مجرى الحياة..
"وقلنا
يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين..فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه
وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين..فتلقى
آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم."
بدأ
نظام الحياة في الأرض وكان أول أولاد آدم وحواء قابيل وأخته ثم في العام
الذي يليه هابيل وأخته ثم بدأت حكاية الأخوان قابيل وهابيل...
نوح عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
عمرت الأرض بأبناء سيدنا آدم وكثر الناس وأصبحوا شعباً عظيماً يعبدون الله ولا يسجدون لسواه .
اشتهر
من بينهم خمسة رجال طيبون ،عُرفوا بالصلاح والتقوى وطهارة القلب وكانت
أسماؤهم :وَدّاً وسُوَعاً ويَغُوث ويَعُوق ونَسْراً ،أحب الناس هؤلاء
الرجال الخمسة وكانوا يستمعون إليهم وإلى نصائحهم ويقتدون بهم وبأخلاقهم.
ولما مات هؤلاء الرجال الخمسة حزن الناس عليهم حزناً شديداً وكانوا يتمنون
أن يخلدوا في هذه الحياة ، وسوس إبليس للناس أن يصنعوا تماثيل لهم توضع في
مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها وتسمى بأسمائهم ففعلوا.
وكان
الناس يذهبون إلى الأماكن التي نصبت فيها هذه التماثيل أما سكان الجهات
البعيدة فإنهم كانوا يتجهون إلى هذه الأماكن يقضون أياماً يتبركون بهذه
التماثيل ويسألون الله في هذه الأماكن المقدسة أن يغفر لهم ، فلما مات
هؤلاء الرُحّل وجاءت أجيال أخرى بالغوا في تعظيم هذه التماثيل واعتقدوا أن
آباءهم وأجدادهم كانوا يتوسطون بهذه التماثيل بينهم وبين الله .
ولما
شق على كبار السن السفر صنعوا تماثيل مثلها في بلادهم ، ثم نسي الناس أن
هذه التماثيل للرجال الخمسة الطيبين وظنوها أصنام ، ثم اعتقدوا أنها آلهة
ونسوا ربهم واتخذوا من دونه هذه التماثيل وعكفوا على عبادتها .
"قال
نوح ربِ إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا..ومكروا
مكراً كبارا..وقالوا لا تذرن وداً ولا سوعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا..وقد
أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالا"
هؤلاء
الناس أضلهم الشيطان وأغواهم ونسوا الله ولكن الله لاينسى عباده فاختار
سبحانه لهدايتهم رجلاً نشأ بينهم كان فقيراً ولكنه كان نقياً طاهراً حفظه
الله من شرور القوم وهو سيدنا نوح.
(2)
ذهب
نوح إلى الطيبين من قومه وهم الفقراء يدعوهم سراً إلى عبادة الله وحده
وترك الأصنام ،وأنذرهم أن من يعرض عن دعوته فإن الله سيعاقبه عقاباً
شديداً ،فآمن به القليل منهم.
ثم
ذهب نوح بعد ذلك إلى أشراف قومه وحاول دعوتهم إلى ترك عبادة الأصنام ولكن
لم يطعه أحد وقالوا له :ما نراك إلا بشراً مثلنا ،لن نؤمن بك ولن نتبعك
،لست بأغنانا ولست ملكاً ذا شأن أو عظيماً ذا مكانة إنما أنت فقير وما
تبعك إلا الذين هم أراذلنا ، فإن كنت ترجو من دعوتك هذه مالاً فخذ من
أموالنا وارجع إلى عبادة آلهتنا وآلهتك.قال لهم نوح :لاأسألكم عليه أجراً
إن أجري إلا على الله وما أريد لكم إلا الخير.. ولكنهم تركوه وذهبوا عنه.
"ولقد
أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين..أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف
عليكم عذاب يوم أليم..فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً
مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا
من فضل بل نظنكم كاذبين..قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي وءاتني
رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون..ويا قوم لا
أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم
ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون"
ولكن
سيدنا نوح لم يتطرق اليأس إلى قلبه ،بل عزم عزماً أكيداً أن يعود إلى
نصحهم وهدايتهم وحاول معهم مرات ومرات ولكنهم ازدادوا عناداً واستكباراً
،وأصروا على عبادة آلهتهم ثم غطوا وجوههم بملابسهم حتى لا يبصروه ووضعوا
أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوه.وقال أحدهم :يا نوح لقد جادلتنا فأكثرت
جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .قال نوح عليه السلام :إنما
يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين .ثم انصرف عنهم في حزن وألم.
"قال
ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً..فلم يزدهم دعائي إلا فرارا..وإني كلما
دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا
واستكبروا استكبارا..ثم إني دعوتهم جهارا..ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم
إسرارا..فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا"
(3)
وبينما هو في حزنه ويأسه إذ بالوحي ينزل عليه يطمئن نفسه ويستمع :لن يؤمن من قومك إلا من آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون.
فهدأ
نفساً واتجه إلى ربه يدعوه .غضب الله عليهم وأمسك عنهم المطر فأصاب الأرض
قحطاً وامتنع الزرع عن النمووضاقت بهم سبل العيش واتجهوا إلى آلهتهم
يدعونها فلا تستجيب ،فاتجهوا إلى نوح عليه السلام فقال لهم :استغفروا ربكم
إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأمول وبنين ويجعل لكم
جنات ويجعل لكم أنهاراً.ولكنهم عموا وصموا وتمادوا في ضلالهم.
يئس
نوح من قومه فدعا عليهم وقال :رب لا تذر على الأرض للكافرين ديارا إنك إن
تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا.فاستجاب الله دعاءه ..
"وأوحى
إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا
يفعلون..واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم
مغرقون..ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا
منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون..فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل
عليه عذاب مقيم"
(4)
أمر
الله نوحاً أن يصنع سفينة كبيرة فقام هو ومن آمن معه بصنع السفينة وكان
الكفار يمرون عليهم وهم يعملون في بناء السفينة فيستهزؤن بهم ولكن نوح
عليه السلام كان صابراً على سخريتهم واستهزائهم ،وكانوا يقولون له :وأين
الماء الذي تسير فيه سفينتك وكان يقول لهم سيكون ذلك قريباً.
أتم
نوح سفينته وجاء الموعد المحدود فأمره الله أن يحمل فيها أهله ، إلا زوجه
فقد كانت عاصية كافرة ،ويضع فيها من كل حيوان وطير وزواحف وحشرات وحبوب
مختلفة زوجين اثنين ذكراً وأنثى ،وأن يأخذ معه كل من آمن به لأن الله
سيغرق الأرض.
اطمأن
نوح وهدأ وما هي إلا فترة حتى أظلمت السماء وهبت الرياح ونزل مطر غزير
وتفجرت العيون من الأرض وعم الماء كل مكان فحمل السفينة ومن فيها وما فيها
.رأى الكفار ذلك فأصابهم ذعر شديد وحاولوا اللجؤ إلى الجبال لتحميهم من
الماء ولكن الماء أخذ يعلو ويعلو ويبتلع القوم الكافرين .
"حتى
إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من
سبق عليه القول ومن ءامن وما ءامن معه إلا قليل ..وقال اركبوا فيها بسم
الله مجراها ومرساها أن ربي لغفور رحيم"
رأى
نوح عليه السلام ابنه كنعان يصعد الجبل فقال له :يا بني اركب معنا ولا تكن
مع الكافرين ،فقال كنعان :سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ،قال نوح :لا عاصم
اليوم من أمر الله إلا من رحم.وابتلع الماء ابن نوح فدعا نوح ربه :رب إن
ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين.فقال الله تعالى :يا نوح
إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن
تكون من الجاهلين.فاستغفر نوح ربه واعتذر عما بدا منه من إلحاحه على الله
أن ينجي ابنه .
سارت
السفينة بين الأمواج وغرق العصاةولم ينج إلا الذين آمنوا ،ثم أمر الله
السماء أن تكف عن المطر وأمر الأرض أن تبلع الماء فرست السفينة على جبل
الجودي.
وأخيراً خرج المؤمنون وعاشوا في تلك البقعة من الأرض فعمروها ودبت فيها الحياة بعد هذا الطوفان العظيم .
وهكذا انقضت حياة نوح عليه السلام بعد أن عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً في جهاد عنيف وصبر طويل.
هود عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
رست
سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي ،ولما جفت الأرض نزل المؤمنون منها
يسعون للرزق ،فعمروا الأرض وتزوجوا وكثر عددهم وتفرقوا جماعات جماعات ،وكل
جماعة اختارت لها مكاناً أقامت به وعاشت على خيراته.
كان
من هذه القبائل المهاجرة قبيلة يمتاز رجالها ونساؤها بضخامة الجسم وتسمى
قبيلة عاد وهوإسم زعيمهم وكان ضخم شديد القوة ظل يسير بقومه حتى انتهى بهم
إلى جبال الأحقاف ما بين اليمن وخليج عُمان حالياً.
أعد
قوم عاد لهم مكاناً للإقامة وزرعوا الأرض وكثرت الخيرات ،ومرت أعوام
وأعوام فمات عاد وبقى قومه وأولاده وعاشوا في نعمة عظيمة وكان الله تعالى
يرسل إليهم السحب بالأمطار فتروي الزرع والحيوان وتوافرت عندهم فواكه لم
يوجد مثلها في أي مكان ،فعاش القوم وزادتهم هذه النعمة طولً وضخامة فكانوا
ذوي بأس شديد ،وتركوا الأرض إلى الجبال فنحتوا لهم مساكن واسعة كبيرة
وأنشأوا مصانع لتسوية الأحجار وصنعوا منها أدوات الحرب والصيد وكل ما
يحتاجون إليه في أعمالهم ومعيشتهم.
"كذبت
عاد المرسلين..إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا
الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب
العالمين..أتبنون بكل ريع آية تعبثون..وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون..وإذا
بطشتم بطشتم جبارين..فاتقوا الله وأطيعون"
بمرور
الزمن نسى قوم عاد عبادة الله ، وعبدوا الأصنام فصنعوا من الحجارة تماثيل
كبيرة وكانوا يسجدون لها من دون الله ويقدمون لها القرابين كي ترضى عنهم
وتسقط عليهم الأمطار وتمنع عنهم السوء..ثم بنوا مدينة كبيرة عظيمة عند سفح
الجبل لم يخلق الله مثلها في البلاد ،وسموها إرم ذات العماد فكانت شوارعها
متسعة وقصورها شامخة مزينة بأعمدة ضخمة ونقوش جميلة.وعاشوا على خيرات
واديهم وكانوا يصيدون القوافل التي تمر بهم فيقتلون أصحابها وينهبون
تجارتها .
عاش
في هذه المدينة رجل من قوم عاد اسمه هود ،ولكنه لم يكن مثلهم ،فنشأ بينهم
نشأة الصالحين وكان محباً للخير والسلام وحاول نصحهم وسعى إلى إصلاحهم
ولكنهم كانوا يسخرون منه .
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد..إرم ذات العماد..التي لم يُخلق مثلها في البلاد"
(2)
غضب
الله على قوم عاد فمنع عنهم المطر عاماً كاملاً ،حتى جف الزرع ومات
الحيوان ،فأصابتهم المجاعة ولم يزدهم ذلك إلا فساداً في الأرض وتقرباً
للأصنام.
وكان هود عليه السلام يحقّر أصنامهم ويحاول هدايتهم فيتركونه غاضبين عليه ويلجأون للأصنام يستسقون.
اختار
الله تعالى هود عليه السلام نبياً وبعثه رسولاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة
الله وحده لا شريك له ،ذهب هود إلى قومه ووجه إليهم كلامه :يا قوم إني لكم
رسول أمين فاتقوا الله وأطيعوني ..يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره
،فهو الذي جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة وأمدكم بأنعم
وبنين وجنات وعيون..يا قوم كيف تعبدون هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر
والتي كان يعبد مثلها قوم نوح من قبلكم فسلط الله عليهم الطوفان وأغرقهم
جميعاً إلا من آمن به وعمل صالحاً.
ثار
قومه ووصفوه بالجنون وقالوا له :يا هود إنا لنراك في سفاهة ونظنك كاذباً
،فقال لهم هود عليه السلام :ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين
لأبلغكم الرسالة بأن تعبدوا الله حتى يرزقكم الرزق الحلال ،وإن لم تفعلوا
فسوف ينتقم الله منكم ،ولكن كان ردهم بسخرية :إن قوم عاد أشداء أقوياء لا
يخشون أحد فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
"وإلى
عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا
تتقون..قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لنظنك من
الكاذبين..قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين..أبلغكم
رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين..أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل
منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة
فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون..قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما
كان يعبد ءاباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"
(3)
ظل
هود يدعو قومه إلى عبادة الله ،ويخوفهم غضبه وبطشه ،فصدقه قوم وآمنوا به
،وكذب به آخرون وسخروا منه ،فدعا هود عليهم .استجاب الله دعاء هود فحبس
المطر ،واشتد الحر ،فذهبوا إلى آلهتهم يستسقون ويقدمون القرابين إليها ثم
يعودون في حزن ،ويمرون على هود ومن آمن معه فيجدونهم في أمن وهدوء .
أقبل
القوم على هود يسألونه عما أصابهم ،قال لهم :لقد وقع عليكم من ربكم رجس
وغضب ..اتقوا الله يرسل السماء عليكم مدراراً ،ويزيدكم قوة إلى قوتكم ،
فإن لم تؤمنوا به فسوف يعجل بنهايتكم .ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ
بناصيتها ،ثم يصب عليكم عذابه فيهلككم أجمعين.
رأى
الكافرون سحابة سوداء في نهاية الأفق ففرحوا وظنوا أن آلهتهم استجابت لهم
.أما هود عليه السلام فأمره الله بأن يجمع المؤمنين من قومه ويذهب بهم إلى
الجهة الأخرى من الجبل وامتثل هود للأمر وخرج من المدينة بقومه.
(4)
"وأما
عاد فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية..سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ
حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية..فهل ترى لهم من باقية"
كانت
السحابة التي رأها قوم عاد ريحاً مدمرا،هبت عليهم فاقتلعت الأشجار وهدمت
القصور وحملت العمالقة الكافرين وغرستهم في الأرض كأنهم أعجاز النخل .أما
هود والذين آمنوا معه فقد لجأوا إلى كهف حماهم من هذه الرياح التي سخرها
الله على الكافرين سبع ليالي وثمانية أيام متتابعة ..فإذا إرم ذات العماد
أطلال خراب ولم يبق من آثار قوم عاد إلا تلك البيوت التي نحتوها في الجبال
تشهد بظلمهم وسوء عاقبتهم.
اتجه هود عليه السلام بمن آمن معه إلى حضرموت فعاشوا فيها يعبدون ربهم ما بقي من حياتهم .
"وتلك
عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد..واُتبعوا في
هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بُعداً لعاد
قوم هود"
صالح عليه السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
ثمود
قبيلة كانت تسكن بالحجر وتقع بين الحجاز والشام وهي من القبائل التي
تناسلت من ذرية قوم نوح عليه السلام وهم المؤمنين الذين أنجاهم الله من
الطوفان..سكنت ثمود بوادٍ أرضه خصبة ،تنبع فيها عيون ويأتي نباتها بمحصول
وافر عميم الخير ، وبنوا فيها بيوتاً وقصوراً وفي فجواتها وكهوفها نقروا
مساكن رحبة فسيحة.
عاشت
ثمود في جنتهم هذه هانئين مترفين ،مضى عليهم الزمان وتتابعت الأجيال
فأبطرتهم النعمة وأضلتهم عن سواء السبيل ،فأشركوا بالله واتخذوا لهم
أصناماً يشركونها معه في عبادته ،حتى بعث الله لهم من بينهم نبيهم صالح
عليه السلام.
أمر
الله سيدنا صالح بالخروج إلى قومه ودعوتهم إلى الإيمان وهدايتهم إلى طريق
الحق ،ولكن سخر منه قومه وانصرفوا إلى لهوهم غير مبالين به.
لم
ييأس صالح عليه السلام فدأب على ملاحقة قومه بدعوته وثابر على نهيهم عن
الإشراك بالله وحذّرهم عاقبة أمرهم ووجه نظرهم إلى أن الله هو الذي أنشأهم
من الأرض واستعمرهم فيها ، فأنصت له نفر منهم واستجابوا له وآمنوا برسالته
وكان أكثرهم من فقراء القوم ومستضعفيهم ،أما أشرافهم وكبراؤهم فقد طغوا
وبغوا وأشاحوا بوجههم عنه..
"وإلى
ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم
من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب..قالوا
يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا
وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب"
وقال
كبير منهم :أؤلقي الذكر عليه من بيننا ..إنه كاذب ،وبدأ هؤلاء المعارضون
بالتأثير على الضعفاء الفقراء الذين تأثروا بدعوة صالح واتبعوه فقالوا لهم
:لم اتبعتم صالحاً ؟ أجابوا :لأن صالحاً دعانا لما رأينا أنه الحق ،ونهانا
عما تأكدنا أنه الباطل. قال القوم ساخرين :أعلمتم أن صالحاً مرسل من ربه ؟
أجاب المؤمنون :إنا بما أرسل به مؤمنون. قالوا وقد أحنقهم القول :إنا
بالذي آمنتم به كافرون. ثم دعوا صالحاً وقالوا له :يا صالح لقد كنت فينا
مرجواً قبل هذا ،أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟قال سيدنا صالح :إنما
بعثني الله إليكم لأخرجكم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الهداية
والإيمان ولأجنبكم عذاب النار...هذه نعم كثيرة أنعم الله بها عليكم
فاذكروها واعترفوا بفضله ولا تفسدوا في أرضه..قالوا له :أتطمع في مال أم
في مركز بيننا ؟ قال :أني أدعوكم لوجه الله خالصاً لا أسألكم أجراً إنما
أجري على الله الذي خلقني وخلقكم .قالوا : يا صالح إنك ساحر ما أنت ببشر
مثلنا فقل لنا ما الذي يدلنا على أنك مرسل من ربك ؟ قال سيدنا صالح :ما هي
البيّنة التي تريدون أن آتي بها لكم لتصدقوني ؟قالوا :ائتنا بناقة عشراء
حمراء كحلاء كبيرة الحجم يشرب من لبنها كل أهل المدينة .قال صالح :سأسأل
ربي وأدعوه أن يأتيني بهذه الناقة .
(2)
دعا
صالح ربه فاستجاب له وخرج القوم ينظرون إلى آية الله وناقته ..فصدقه وآمن
معه القليل وبغى بعضهم ووصفوه بالساحر قال لهم صالح :هذه ناقة الله لكم
آية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء وإلا أصابكم عذاب
أليم..والماء قسمة بينكم وبينها :لكم شرب يومٍ ولها شرب يوم.
"كذبت
ثمود المرسلين..إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون..إني لكم رسول
أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب
العالمين..أتتركون فيما هاهنا آمنين..في جنات وعيون..وزروعٍ ونخلٍ طلعها
هضيم..وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين..فاتقوا الله وأطيعون..ولا تطيعوا
أمر المسرفين..الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا إنما أنت من
المسحرين..ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين..قال هذه
ناقة لها شربٌ ولكم شرب يومِ معلوم..ولا تمسوها بسوءِ فيأخذكم عذاب يومِ
عظيم"
عاشت
الناقة بين ربوعهم ،فكانت ترعى من كلأ الأرض وترد الماء في يومها المعلوم
حتى إذا جاء اليوم الثاني اعتزلت الماء فيقبل الناس على الماء يأخذون منه
حاجتهم لليوم واليوم الذي يليه ،ثم يقبلون على الناقة وقد أتت بفصيلها
فيحلبونها ويشربون منه جميعاً..فرح الفقراء بالناقة وسخط عليها أغنياء
القوم وشق عليهم أن يكون صالح هو هاديهم ،واتفقوا على قتل الناقة. أوحى
الله إلى صالح ما أضمره القوم فجاءهم وقال لهم :لم تستعجلون بالسيئة قبل
الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم تُرحمون .فأشاح الذين كفروا عنه وقالوا
له لقد تشاءمنا بك وبمن معك ،فقال لهم :تشاؤمكم على أنفسكم لو كنتم تعلمون.
"قال
يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم
ترحمون..قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم
تفتنون..وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا
تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا
لصادقون..ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون"
(3)
اجتمع
تسعة من سفهاء ووقحاء المدينة ،عتاة قساة غلاظ القلوب وتشاوروا فيما بينهم
كيف يختارون الشخص الذي يقتل الناقة. وجاء اليوم الذي حددوه لعقر الناقة
وأتوها وهي على مورد مائها تشرب فأهوى أحدهم على ساقها بسيفه فخرت ساقطة
على الأرض فطعنها في رقبتها فقتلها ، هلل الناس وقالوا :ليأتنا صالح بما
وعدنا إن كان من المرسلين..
علم سيدنا صالح بما حدث فحزن حزناً شديداً وطلب من المؤمنين أن يدركوا إبن الناقة ولكن الأشقياء كانوا قد جروا وراءه وأدركوه وقتلوه.
لما سمع صالح بعقر ابن الناقة قال :تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وانصرف عنهم.
"فعقروها
فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب..فلما جاء أمرنا نجينا
صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذٍ إن ربك هو القوي
العزيز..وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين..كأن لم يغنوا
فيها ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود"
(4)
ذعر
القوم لما علموا أن أمامهم ثلاثة أيام فقط ،وجلسوا ينتظرون ما سيحل
بهم..وجاء ما كانوا ينتظرون فما كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم من هول دويها
جاثمون ،وقد زلزلت الأرض من تحتهم فصرعتهم الرجفة وهم ينظرون..وغادر صالح
والذين آمنوا معه المدينة ونظر سيدنا صالح آسفاً وقال لقد حذرتكم وأنذرتكم
..لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين.
تابع
رد: قصص الأنبياء ((الجزء الأول))
جزاك اله خير يا ماهر
منتظرين الجزء التانى
منتظرين الجزء التانى
برنسيس الدلتا- ♪♪ ©" ღ♥♥♥ღ ™ عضو فضي♪♪ ©" ღ♥♥♥ღ ™
-
عدد المساهمات : 395
نقاط : 522
التقيم : 0
تاريخ التسجيل : 17/02/2010
رد: قصص الأنبياء ((الجزء الأول))
تسلم ياماهر
جزاك الله كل خييييييييييييير
جزاك الله كل خييييييييييييير
نعمه- ♪♪ ©" ღ♥♥♥ღ ™ عضو ماسي♪♪ ©" ღ♥♥♥ღ ™
-
عدد المساهمات : 1029
نقاط : 1849
التقيم : 0
تاريخ الميلاد : 01/06/1988
تاريخ التسجيل : 16/02/2010
العمر : 36
مواضيع مماثلة
» ___ ((قصص الأنبياء))___ الجزء الاول
» كاريكاتير الجزء 2
» موسوعة هل تعلم ( معلومات مفيدة ) متجدد ( تم إضافة 10 معلومات )
» مصر تحقق فوزها الأول على الجابون في بطولة افريقيا لكرة اليد ...
» حصريا مسلسل راجل وست ستات الجزء السادس الحلقة الثالثه (متجدد ان شاء الله)
» كاريكاتير الجزء 2
» موسوعة هل تعلم ( معلومات مفيدة ) متجدد ( تم إضافة 10 معلومات )
» مصر تحقق فوزها الأول على الجابون في بطولة افريقيا لكرة اليد ...
» حصريا مسلسل راجل وست ستات الجزء السادس الحلقة الثالثه (متجدد ان شاء الله)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى